لقطات من حياة غاندي في سطور

فكرة العصيان المدني

اضطهاد المنبوذين

نبذه مختصرة

من الناحية الجسمانية كان ضعيف البنية يرفض استعمال القوة والعنف.. ومع ذلك فان تعاليمه وتأثيره الروحى، كانت أعظم بطشا وقوة من مائة معركة فى ميادين القتال .

ان سكان الهند يبلغون سدس أهل الأرض جميعاً ومع ذلك فقد ظل الهنود عدة قرون نائمين غافلين ثم اذا بذلك الرجل الهزيل الذى كان وزنه أقل من مائة رطل ، يوقظهم من سباتهم ويوجه مداركهم الى ما يكمن فيهم من قوة جبارة .

وهناك أمور كثيرة غريبة تروى عن غاندى فمثلاً كان عنده " طاقم " من الأسنان الصناعية كان يحمله معه فى احدى ثنايا ثيابه ويضعه فى فمه عندما يريد أن يأكل فقط وبعد  فراغه من الاكل ينزع الطاقم من فمه ويغسله ثم يعيده الى مكانه فى ثنية ملابسه.

وكان يتكلم الانجليزية بلهجة ايرلندية لان أحد مدرسيه الاوائل كان من ايرلندا ولا يلبس الا الملابس الفضفاضة المتواضعة لكنه فى فترة من الفترات عاش فى لندن عدة سنوات يلبس قبعة حرير ويغطى حذاءه بغطاء من الصوف " جيتر " ويمسك بعصا " طوبى لصانعى السلام "

وقد تلقى غاندى دراسته العليا فى جامعه لندن وصار من رجال القانون ، ولكنه فى اول مرة حاول فيها المرافعة فى ساحة المحكمة ارتعدت ركبتاه وارتجف الى حد أنه اضطر الى الجلوس من شدة الارتباك والتلعثم .. والواقع أن التوفيق لم يحالفه حين مارس المحاماة فى لندن ، فكان فاشلاً فى حياته العملية فى تلك المرحلة من شبابه.

وعندما جاء الى انجلترا لأول مرة قبل ذلك بسنين جعله مدرسة الايرلندى ينسخ " موعظة المسيح على الجبل " عدة مرات كتمرين فى اللغة الانجليزية ليس غير ... فأخذ غاندى يكتب ويعيد ، ساعة بعد ساعة  هذه الاًيات

 " طوبى للودعاء لانهم يرثون الأرض ... طوبى لصانعى السلام لانهم أبناء الله يدعون ".... الخ

فأحدثت هذه الكلمات أثراً عميقاً فى نفسه ثم ارسل يوماً الى جنوب افريقيا ليحصل ديونا ضخمة فحاول أن يطبق هناك فلسفة الموعظة على الجبل وقد نجحت التجربة ... وتدفق المنقاضون على المهاتما غاندى لانه كان يفض منازعاتهم بالطرق الودية خارج المحكمة ، فيوفر بذلك عليهم الوقت والمال ... وسرعان ما أصبح دخل غاندى ثلاث اًلاف جنيه فى العام ، وهكذا " ورث الودعاء الأرض "

ولكن هل كان غاندى سعيداً بنجاحه ودخله الكبير ، كلا لانه كان يعلم بأن الملايين من بنى وطنه يعيشون فى فاقة وقد رأى منهم  يموتون من الجوع ، فظهر له اقبال الدنيا عليه رخيصاً وعديم الاهمية ... فما كان  منه الا ان تنازل عن كل أمواله ونذر نفسه للفقر ... ومنذ ذلك الوقت كرس حياته لمساعدة الفقراء والمعوزين.

ان عشر سكان الهند اليوم نصف أموات من الجوع ... وقد كانوا فى موقف ميئوس منه ، حتى ان غاندى حاول اقناعهم بوقف التناسل فى عالم مفعم بكل هذه التعاسة والفاقة وقد راضى غاندى نفسه على الجوع ليرى كيف يمكنه ان يعيش فى صحة جيدة وبأقل النفقات ، فكان غذاؤه الرئيسى هو الفاكهة ولبن الماعز وزيت الزيتون.

كيف نبتت فى ذهنه فكرة العصيان المدنى :

وقد تأثر غاندى تأثراً عظيما بتعاليم أحد الامريكيين ويدعى " دافيد ثورو" وكان "ثورو" قد تخرج من جامعة " هارفارد" منذ مائة عام وأنفق خمسة جنيهات فى اقامة " كوخ" لنفسه على شاطئ " وولدن بوند " المنعزل فى ولاية " ماساشوستس" وهناك عاش متنسكاً ورفض أن يدفع ضرائب فزج به في غياهب السجن وعندئذ وضع كتاباً عن "العصيان المدنى" قال فيه ان أحداً لا يستطيع ارغام أى فرد على دفع الضرائب .. ولم يعر الناس كتابة أقل التفات.

ولكن غاندى قرأ الكتاب وهو فى الهند بعد ذلك بخمسة وسبعين عاما وقرر أن يستخدم أساليب " ثورو" وكانت انجلترا لم تبر بوعدها بشأن منح الهند الحكم الذاتى فعمد غاندى كى يعاقب انجلترا الى تحريض سكان الهند على الامتناع عن دفع الضرائب ولو أدى بهم ذلك الى غياهب السجون .

كما حرض أتباعه على مقاطعة البضائع الانجليزية وعندما فرض الانجليز ضريبة على الملح قاد غاندى أتباعه الى البحر حيث كانوا يستخرجون الملح بأنفسهم .

وكان في الهند نحو 60 مليونا من السكان موصومين.حسب الديانه الهندوكية بوصمة الرجس الذى يحرم على أحد لمسهم " المنبوزين " فما معنى هذا ؟ لكى تفهم معناه اتخذ نفسك مثلاً وافرض انك تعيش فى الهند وإن اجدادك منذ الفى عام كانوا من المنبوزين المحرم لمسهم وفقاً للديانة الهندوكية ..

 فان هذا يعنى أنك أنت أيضاً منبوذ محرم لمسك اليوم ويصبح محكوماً عليك بأن تتعذب لاجل اًثام ارتكبتها روحك فى حياة سابقة فلا يسمح لك مثلاً بأن تشرب من ماء بئر فى القرية بل يتعين عليك أن تذهب وتشرب من ماء بعض الجداول الجانبية القذرة ولا يقتصر الامر على ذلك بل ان النفوس تعافك حتى لا تجرؤ على دخول حانوت بدال وانما يصبح عليك ان تقف فى الخارج وعلى مسافة كبيرة كى يقذف اليك بالطعام من بعيد .

بشاعة اضطهاد المنبوزين :

بل انك اذا اعتبرت منبوذا لا يستطيع أن تدخل الى حرم محكمة أو تنخرط فى مدرسة .. ولا يمكنك حتى السير على قدميك الا على مسافة خمسمائة قدم من الطريق العام واذا حدث ان سقط  ظلك على الطعام يعتبر نجسا غير صالح للاكل ويجب أن يعدم

تصور أن فى الهند 60 مليونا من هؤلاء المنبوزين وانهم كانوا يحيون فى أرهب وأتعس ظروف ممكنة فى العالم وقد كرس غاندى حياته للدفاع عن حقوقهم حتى لقد تبنى بنتا صغيرة من المنبوذين " المحرم لمسهم" ورباها على ؟أنها ابنته

ان ملايين من البشر تطلعوا الى غاندى على انه قديس  واًخرين اعتقدوا انه اًله هندى متجسد ففى عالم مملوء بالجشع والحقارة والانانية لم يطلب  هذا الرجل لنفسه شيئاً .. بل انه أراد أن يموت ليتمكن الاًخرون من الحياة وقد كان له ما اًراد ومات غاندى ..

المصدر :كتاب الخالدون 25 ديل كارنجي